ميراندا والعاصفة


” أوه, يا أبي العزيز .. إذا كنت قد أثرت بقدرتك هياج هذه المياة الطاغية, أرجوك أن تأمرها بالهدوء .. لقد تألمت مع من أبصرتهم يتعذبون في السفينة المترنحة التي تكاد تكون حطاماً. وهي تحمل إنساناً مثلك!. آه ! لكم تعالت صيحات الذعر من أفواه الخائفين. وتجاوبت أصداءها في قلبي الحزين جراء محنتهم. لو كنت آلهة ولي سلطان, لدفنت البحر برمته في بطن الأرض, ولم أدع هذا المركب الرائع يغرق في أعماق هذه اللجة الهائمة, مع حمولتها الوافرة من النفوس الغالية ”

شكسبير/ العاصفة

إذا ألقينا نظره بسيطة عن علاقة الصورة والأدب سنجد ما يدعو للذهول والإعجاب. هي علاقة طردية, فكما هو الأدب يضفي على الفن التشكيلي من تصورات وأفكار, يأتي الفن التشكيلي كذلك بإضافة قيمة جمالية لا تقل على الإطلاق في فتح أفاق أوسع للكتابة, إما عن طريق كتابة رواية قائمة على لوحة تشكيلية, أو قراءة اللوحة قراءة أدبية أو حتى شعر. هناك أعمال روائية خالدة أخذ الفن التشكيلي منها الإلهام لتخليد أبطال من الورق, وأصبحوا خالدين ومشاهدين على الدوام. ومثالي على ذلك الأديب الأسباني الكبير سيرفانتس, الذي أصبح بطل روايته الخالدة دون كيشوت دي لامنشا – ساحة جذب للفن التشكيلي ومصدر إبداع للرسامين التشكيليين. تحول هذا البطل الذي يمتطي حصانه ومعه خادمه سانشو إلى رمز فني, يثير مخيلة المبدعين. لنترك دون كيشوت الآن , ولنشاهد مثال آخر عظيم عن العلاقة الجمالية بين الأدب والفن التشكيلي. لا يخفى على الجميع ما يمثله أعظم أديب في تاريخ إنجلترا ويليام شكسبير في دنيا الأدب والفن. فكما كان الدون كيشوت مصدر جذب للفن التشكيلي, فإن شخصيات مسرحيات شكسبير الشهيرة تحولت هي الأخرى لمصدر جذب ومساحة حرة لفنانين يرون في هذه الشخصيات قيمة إبداعية وجمالية, مثل : الرسام الرائع جون وليام ووترهاوس, و فورد مادوكس براون, و هنري فوسلي, و ثيودور كاسيريو, ولويليام هاميلتون, وغيرهم. إذا كان الأدب يهذب الإنسان في أطباعه وسلوكه, فإن الفن يكسوه بالجمال.


في هذه اللوحة الرياح تعصف بالبحر, وكأن هناك حرباً مستعرة بين تلك الرياح وتلك السفينة التي يناضل بحارتها و ربانها من أجل الحياة. لم انتبه للسفينة إلا بعد قراءة مسرحية العاصفة لشكسبير, والتي على أساسها رسم الرسام جون وليام ووترهاوس هذه اللوحة, ميراندا والعاصفة. حين شاهدت هذه اللوحة للمرة الأولى كنت مأخوذاً بشعر ميراندا المتناثر المتجه باتجاه الريح وهي تحاول أن تقبض عليه حتى لا تستحيل الرؤية. ويدها اليسرى على صدرها وهي لا تصدق ما تراه أمامها من صراع بين الطبيعة والإنسان من أجل الحياة.

مسرحية العاصفة لشكسبير هي آخر أعمال شكسبير الكوميدية, وتتحدث عن بروسبارو دوق ميلانو الشرعي وابنته ميراندا, والذين يعيشان منفيين في جزيرة نائية. كان يعيش مع بروسبارو روح ساحرة تدعى أريال تعمل على طاعته وخدمته, فتسبب الرياح التي يقذفها أريال بأمر بورسباور جنوح السفينة إلى تلك الجزيرة. وتضم هذه السفينة جميع أعداء بروسبارو الذين اغتصبوا حقه الشرعي في حكم ميلانو: مثل أنطونيو, أخو بورسبارو ومغتصب الحكم. وملك نابولي آلونزو وشقيقه سيبستيان, وابنه فرديناند. عندما تتعرف ميراندا على فرديناند تقع في غرامه, وحين يرى الأب ذلك الحب الشفاف بين العاشقين يعفي عن أعدائه, ويتخلى عن السحر ويعود الجميع من حيث ولدوا: إلى نابولي. المسرحية قصيرة من خمسة فصول, كل فصل يتضمن مشهدين. هذه أول قراءة لشكسبير بالنسبة لي, وأول قراءة لمسرحية كذلك. قراءة المسرحية تختلف اختلاف تام عن الرواية. حين يتحاور أبطال المسرحية فيما بينهم فشلت في معرفة من المتحكم بسير الأمور وكيف حدث ما حدث. السبب في ذلك يرجع إلى ما يمكن أن يكون: بالمشهدية في المسرح. يجب أن يكون المشهد حاضراً أمامي وأتخيل في ذهني أشكال الشخصيات وهي تدخل المسرح وتخرج, أو حتى أتخيل سيمياء أبطال المسرحية.

المسرحية تطرح فكرة أن القوة والعلم يجب أن تجتمع في الرجل القوي الحاكم. العلم بدون قوة قد يحول الإنسان مثل بورسبارو إلى شخص منفي لا حول له ولا قوة. والقوة بدون علم قد تحول الإنسان إلى أنطونيو الذي استولى على الحكم, و وجد نفسه بلا حول ولا قوة في السفينة. يجتمع العلم والقوة في شخص بورسبارو في الجزيرة حين يُسخر تبحره في السحر و الشعوذة إلى قوة هائلة استطاع بها أن يعطى لأخيه درساً قاسياً.

9/8/2009

هذا المنشور نشر في أدب إنجليزي. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق